من اين جاءت كلمة (حب)

(المحبة) مشتقة من الحباب “مـايـعـلـو الـمـاء عـنـد الـمـطـرالـشـديـد”، وفيه معنى الفوران والغليان

والاهتياج. يتبعها (التعلّق) ثم (الهوى) سقوط القلب من شاهقٍ بعد أن استدرج استدراجاً إلى

الهاوية. ثم (الصبوة) أي الميل الذي يحمل نحواً من أنحاء التبجيل، فالصبّ هو من يتمثل له

معشوقه على كلّ حالٍ ولا يرى سواه.

يتلو ذلك (الشغف) ملامسة المحبة للقلب إذ الشغاف غلاف القلب، وهذا الشغف يورث (وجداً) وهو

الحزن المبهم الذي يتخلل كلّ حبّ ما دام الحبيب والمحبوب اثنين، غير قادرينِ على أن يكونا

واحداً، مما يؤدي إلى (الكلف) وهو الولع مع المشقة، فإذا ازداد الكلفُ صار (عشقاً) وقد قالت

العربُ عن العشق انه أمرّ هذه الأسماء وأقساها، ولهذا لا تجده في قصائد العرب القديمة قبل

الإسلام، وحين يتخلل العشق كيان الإنسان يأتيه (الجوى) كآبة العشاق المتروكين للهجران، فيكون

(دنفاً) أي مريضا، ففي المعجم الوسيط «دنف الرجل دنفاً اشتد مرضه و أشرف على الموت فهو

دنف، ودنفت الشمس دنت للغروب و اصفرتْ”.

فإذا وقع المحبوب طريح دنفه كثر (شجوه) الألم المصحوب بأنين وحسرات، ووصل إلى (الشوق)

الذي هو سفر الأرواح إلى بعضها البعض من دون أن تتحرك، وبه يدخل الوهم والتوهم مدار

العاشق فيتراءى له انه هنا وهناك في آن واحد، وهذه هي (الخلابة)، التي تعطي معنى الخداع،

جاء في كتب العشق “سمي الحب خلابة لأنه يخدع ألباب أربابه، والخلابة: الخديعة باللسان، يقال:

خلبه يخلبه واختلبه وفي المثل: اذا لم تغلبْ فاخلبْ، أي فاخدع”.

والخداع والتوهم يأتيان بالبلابل، يقال: بلابل الحب وبلابل الشوق، وهي وساوسه وهمه، ومن

أرقّ وأصفى ما قيل:

وإني لأرضى من بثينة بالذي

لو ابصره الواشي لقرّتْ بلابله

بلا وبألا أستطيع وبالمنى

وبالأمل المرجوّ قد خاب آمله

وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضي

أواخره لا نلتقي وأوائله.

وهذا ما يأتي بـ(التباريح)، اي الشدائد والدواهي، و(السَدَم) اسم آخر للندم لكنه مخصوص لندم

العاشقين، ثم (الغمرات) سكرُ القلب وتيهه، و(الوهل) وأصله الفزع والروع، يقال: وَهِلَ يُوهَلُ

وهو وهل ومُستَوهِل، و(الشجن) الذي فيه معنى طلب الحاجة مع شعور باليأس من بلوغها. فيكون

الحبّ (لاعجاً)، فإذا استقرّ هذا الألم فيه سمي بـ”الوصب” وأصل الوصب المرض، والـمُوَصَّب

الكثير الأوجاع. فيتناوب عليه (الكمد) و(اللذع) والحرق) مما يورثه (السهاد) الذي هو أرق

العاشقين.

اللهفُ، والحنين، والاستكانة، والتبالة، واللوعة، هي الحطبُ الذي به توقد هذه المحرقة التي لا

يحس بها إلا صاحبها، الذي يصيبه (الفتون) وهو الحرقُ المطهر من كلّ ما سوى المحبوب، إذ

الفتنة إحراق المعادن الثمينة لتنقيتها، وإذا صفا القلب لهواه أصابه جنون و(لمم) و(خبل)، فصار

(رسيساً)، ومنه قول ذي الرمة:

إذا غير النأي المحبين لم يكد

رسيس الهوى من حب مية يبرح.

ثم هناك (الودّ) المحبة المخلوطة بالرحمة والشفقة، و(الخلّة) ما يتخلل كل مسامات الروح،

و(الغرام) الحبّ اللازم لزوم الدين في عنق المستدين، و(الهيام) العطش الذي لا يروى، و(التدليه)

ترك النفس جملة من أجل ذكر المحبوب، وهي مشتقة من تدليه الناقة إذا تركتْ ولدها وإلفها

وهامتْ، و(الوله) شدّة التحيّر والاندهاش، وقال البعض ان لفظ الجلالة مشتقّ منه، ثم إذا تمّ

للعاشق ذلك وسلك في هذه المراتب يتخطفه (التعبّد) وهو الغاية والمنتهى، وفيه سكون النفس بعد

أن اجتازتْ هذه الجهنمات وصولاً إلى فردوس التعلّق بالحبيب تعلقاً لا رجعة عنه.