المرأة في الإسلام
المرأة في الإسلام
يخطئ الكثيرون و الكثيرات في اعتقادهم أن الإسلام جاء مضيقاً على المرأة مقيداً لحريتها ، إذ أن
هؤلاء لا يدركون رسالة الإسلام السامية ، و التي جاءت لتحقيق العدل و المساواة بين جميع البشر
، فلا سيد و لا عبد ، و لا رجل و لا امرأة ، و لا عربي و لا أعجمي ، الكل أخوة في هذا الدين
العظيم ، يقول عز من قائل : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ
لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13 ، فمقياس التمايز ليس الجنس
أو العرق ، بل هو العمل الصالح ، و ما ألطفها من آيات تلك التي يعلن فيها الله جل جلاله عن
قمة المساواة بين الرجل و المرأة أمام وجهه الكريم فيقول في إحداها :{وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ
مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً }النساء124 ، فالإسلام ليس
ديناً يختص به الرجال دون النساء ، بل هو رسالة للعالمين .
و إذا تصفحنا وقائع بداية الدعوة الإسلامية ، و عصر صدر الإسلام ، ندرك بوضوح تام الأدوار
العظيمة التي لعبتها المرأة في نصرة الدعوة و نشرها بين الناس ، فكلنا نعرف الدور العظيم الذي
لعبته أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد في دعم و مساندة و مواساة زوجها المصطفى ( صلى
الله عليه و على آله و سلم ) ، لدرجة أن العام الذي توفت فيه سمي ( عام الحزن ) ، و ندرك أيضاً
المنزلة الدينية و العلمية الرفيعة التي وصلت إليها بعض الصحابيات ، و أول من تذكر في هذا
المجال أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ، و التي كانت من أكثر
الصحابة رواية للأحاديث عن أبي القاسم ( صلى الله عليه و على آله و سلم) ، و ندرك أيضاً أن
المرأة لم تكن محتجزة في المنزل ممنوعة من الخروج أو الدخول ، بل أنها كانت تخرج إلى
ميادين القتال تبارز الفرسان ، فمن منا لم يسمع بالصحابية الجليلة نسيبة بنت كعب المازنية ، و
التي لا يمكننا أن ننسى موقفها العظيم أبداً عندما وقفت تنافح عن رسول الله (صلى الله عليه و على
آله و سلم) يوم أحد حينما وقع في الحفرة هي و أولئك الرهط الطيب من الصحابة حتى لا تصل
أيدي المشركين النجسة إلى جسده الطاهر الشريف ، و الفارسة الشجاعة خولة بنت الأزور أشهر
من أن أعرف بها أو أتحدث عنها ، فقد كانت دائماً في مقدمة فرسان العرب المسلمين الذين صالوا
و جالوا في ميادين العزة و الكبرياء .
نأتي بعد هذا التوضيح ، و هذا التبيين ، لمناقشة بعض القضايا الشائكة ، و التي يعدها دعاة
المساواة من أهل الغرب المُنظِّر – الذي تعيش فيه المرأة أول حياتها متنقلة من سرير رجل إلى
سرير رجل آخر ، و آخرها في دار عجزة وحيدة بانتظار الموت – مثالب و ثغرات في تعامل
الإسلام مع المرأة .
فمن هذه القضايا : قوله تعالى : {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ
أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن
كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
النساء176 ، فهل مثل هذا الكلام المنطقي الرائع ينتقد ؟ ، و لكن لمن أشكل عليه الأمر أقول : من ا
لمتعارف عليه في مجتمعاتنا – و هذا كان قبل الإسلام – أن الرجل هو القائم بأمر البيت ، و هو ا
لمسؤول عن تلبية احتياجاته و استكمال نواقصه ، و هنا القاعدة القرآنية تأتي لتقدم إلى هذا الرجل
- و انطلاقاً من الحقيقة المعروفة التي ذكرتها الآن – نصيباً مثل نصيب امرأتين ، و هذا ليس فيه أ
اي انتقاص للمرأة أو تقليل من شأنها ، و إنما هو مراعاة للواقع ، و تفهم لخصوصية المجتمع .
و من هذه القضايا : قضية الحجاب التي كثر فيها الكلام و الأخذ و الرد ، حتى وصل الأمر بإحدى
دول الغرب الصليبي المتشدق بالحرية بمنع نساء المسلمين ممن يقطن أراضيه من ممارسة حقهن ا
لطبيعي في ارتداء ما يشأن من الملابس ، ( و أريد أن أشير هنا أنه قد ورد عن أئمة المسلمين
كالإمام أبي حنيفة و غيره أنه من حق أهل الذمة الذين يعيشون بين المسلمين أن يلبسوا ما شاؤوا
و أن يأكلوا ما شاؤوا ) ، و مع أن الحجاب قد أصبح عند الكثيرات رمزاً دينياً لا أكثر ، إلا أن
وجوده ضروري و هام و خاصة في هذا العصر ( عصر الفتن ) ، و تجدر الإشارة إلى أن ا
لحجاب ليس مجرد قطعة قماش توضع على الرأس ، بل هو قطعة قماش توضع على الرأس تلبية
لأمر الله عز و جل ، و رغبة في الاحتشام و عدم إبراز المفاتن للرائح و الغادي . و لتنظروا معي
يرحمكم الله إلى الفتاة المحجبة التي لا أجد تشبيهاً مناسباً لها أكثر من الماسة المخبأة في منجم
عميق لا بد لك من البحث و السعي و العناء حتى تصل إليها .
من ناحية أخرى ترى الكثيرين من الرجال المسلمين من يقومون بتشويه صورة الإسلام و القرآن
حتى ، و ذلك بسبب جهلهم أو الرجولة الزائدة عند بعضهم ، فما أكثر ما يردد بعض الرجال على
الدوام فاتحة الآية الكريمة التي تقول : ( الرجال قوامون على النساء ) ، دون إكمالها إلى نهايتها ، ف
القرآن الكريم مترابط كله مع بعضه ، و تقسيم أجزاء الآية إنما هو عمل خبيث يراد منه تقويل
القرآن الكريم ما لم يقل ، و مثلهم كمثل الذي يقرأ فاتحة الآية الكريمة التي تقول : ( إن الله لا
يستحيي ) ثم يتوقف ليخرج علينا بتوصيف لله عز و جل يوصله إلى سقر فوراً ، بل عليه أن يكمل
الآية حتى يحصل الفائدة كاملة : {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا
الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ
كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ }البقرة26 ، و هنا نفس الأمر علينا أن نكمل قراءة
الآية الكريمة كاملة و التي يقول فيها جل جلاله : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ
بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي
تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ
سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً }النساء34 ، فالقوامة ليست بسبب اختلاف الجنس ، بل بسبب الأمور
التي يتميز بها الرجل عن المرأة و التي يعرفها الجميع ، و أحد هذه الأمور هو الإنفاق ، و هنا ي
يظهر الفرق الكبير بين نظرة الإسلام و نظرة الغرب المُنظِّر إلى المرأة ، فللمرأة على الرجل في
الإسلام حق الإنفاق ، و تلبية جميع متطلباتها إذا كانت في مقدوره ، و في هذا تقدير لأنوثة المرأة
و إعلاء لشأنها ، أما في الغرب و نتيجة مساواتهم البراقة الخداعة ، فإن المرأة إذا لم تعمل لا تأكل
، أو يتوجب عليها أن تكون من أصحاب قاعدة ( الجنس مقابل الغذاء ) ، فأي تقدير للمرأة هذا الذي
أصموا آذاننا به و هم يكرروه علينا ليل نهار .
صورة المرأة في الإسلام صورة مشرقة ناصعة البياض ، لكن الأيدي الخبيثة و الأذهان القاصرة و
بعض العادات و التقاليد البالية التي ما أنزل الله بها من سلطان كانت السبب في تلويث هذه
الصورة و تشويهها ، حيث فرضت سيطرتها علينا و على عقولنا ، فجعلتنا نظن أن كثيراً من
عاداتنا الاجتماعية الموروثة قواعد ثابتة لا يجوز المس بها ، مما دفع البعض منا إلى دعم و اعتماد
نظرة الغرب المُنظِّر الخاطئة إلى الإسلام ، و ذلك بسبب الجهل بأسس و قواعد الإسلام ، أو
بسبب الحملات الصليبية التي توقفت على الأرض و انتقلت إلى تشويش الأذهان و العقول و
تشويه صورة الإسلام ، و يطيب لي أن أختم كلامي بهذا الحديث الشريف ، تاركاً التدبر و التفسير
لكل عاقل و عاقلة ، فعن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال : حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع
رسول الله ( صلى الله عليه و على آله و سلم ) ، فحمد الله و أثنى عليه ، و ذكر و وعظ ، ثم قال
: (( استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان . ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك ، إلا أن يأتين
فاحشة مبينة ، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع و اضربوهن ضرباً غير مبرح ، فإن أطعنكم فلا
تبغوا عليهن سبيلاً . إن لكم من نسائكم حقاً و لنسائكم عليكم حقاً ، فأما حقكم على نسائكم ، فلا
يوطئن فرشكم من تكرهون ، و لا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ، ألا و حقهن عليكم أن تحسنوا
إليهن في كسوتهن و طعامهن )) [ سنن ابن ماجه – كتاب النكاح – باب حق المرأة على زوجها ] .
إنما هذه الحياة من صنع أيدينا نحن ... نحن من نجعلها جحيماً
ونحن من نجعلها فردوساً
تقديم _ أمـــــــــل